هو أبو جعفر نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي, ولد في خراسان وعاش في بغداد وذلك فيما بين سنتي 597, و672هـ وقد درس الطوسي مؤلفات الإغريق وترجم كتاب الأصول لإقليدس , وتعتبر ترجمته هذه أدق وأوضح ترجمة عربية عرفتها الحضارة الإسلامية, وكما اشتهر الطوسي بمؤلفاته في علم المثلثات والجبر والفلك والهندسة, كان أيضا عالما فذا في الرياضيات والفلك , أسند إليه أمر المرصد الفلكي في مراغة , ذلك المرصد الذي اشتهر بآلاته الفلكية الدقيقة وأرصاده المضبوطة ومكتبته الضخمة وعلماءه الفكليين الذين كانوا ياتون إليه من شتى أنحاء المعمورة, ومن أمثال فخر الدين المراغي من الموصل ومحيي الدين المغربي من الأندلس, والقزويني, من قزوين, وغيرهم من أرباب العلم, ويعتبر الطوسي من أعظم علماء الإسلام ومن أكبر رياضييهم, وقد عرف بين أصدقائه وذويه وعلماء المشرق والمعروف بلقب العلامة كما لقب المحقق وجدير بالذكر أنه كان يجيد اللغات الاتينينة والفارسية والتركية مما أعطاه القدرة على التمكن في شتى المعارف, وتروى لنا قصة عجيبة عن الطوسي: وهي أنه كانت له مكانة مرموقة عند الخلفاء العباسيين لذاته الخارقة,ولذا فإن أحد الوزراء تربص له بدافع الغيرة, وأرسل تهما ملفقة له إلى حاكم قهستان, أودت بالطوسي إلى السجن في إحدى القلاع, وكان سجنه سببا في أنه أنجز أكثر مؤلفاته في الرياضيات والفلك وهي المؤلفات التي خلدت اسمه بين نوابغ العلماء في العالم, وكان من حسن حظ الطوسي أن قام هولاكو بالاستيلاء على السلطة في بغداد فأخرج الطوسي من السجن, وقربه إليه فصار الأمير على أوقاف المماليك التي استولى عليها هولاكو, وقد استغل الطوسي الأموال في بناء مكتبة ضخمة ضمت أكثر من أربعمائة ألف مجلد من الكتب النادرة.

ولقد ترجم الطوسي دروسا كثيرة واختصر معارف شتى وأضاف نظريات جديدة إلى انتاج من سبقه من علماء شرقيين وغربيين, فأرسى قواعد انتاجه العلمي على تجاربه وتجارب الآخرين, ونشاطاتهم المختلفة, وكان الطوسي موسوعة في العلوم كلها, وقد ألف من الكتب الكثير ومن المتفق عليه أن نصير الدين الطوسي خلف ابن سينا بسعة الإطلاع والقدرة على الإستيعاب, ولقد تلقى نصير الدين الطوسي علمه على يدين العالم الكيير كمال الدين نويس الموصلي الذي غرس فيه حب الكتب حتى أنفق معظم ماله في شراء الكتب الثمينة.

أولى الطوسي عناية خاصة لثلاث مجالات من الفكر العلمي : هي الرياضيات والفلك والطبيعيات ونشير فيما يلي إلى أهم إنجازاته فيها, ففي مجال الرياضيات اشتهر الطوسي في علمي الهندسة وحساب المثلثات فكتب أول كتاب في حساب المثلثات كان متداولا في جميع أنحاء المعمورة, واسمه : شكل القطاع, وقد علق الطوسي كذلك تعليقا وافيا, على كتاب البيروني يتكون من خمس عشرة رسالة, في الرياضيات والفلك , كذلك نقل الطوسي : كتاب الأصول لإقليدس إلى اللغة العربية, ونشر بحثا يتركز حول موضوعات : مصادرات إقليدس, ولقد اعتمد المؤلف الغربي: ريجيو مونتاس على أثار نصير الدين في التأليف في مجال حساب المثلثات , ولقد أبدع الطوسي في الرياضيات بجميع فروعها,وكان له فضل كبير في تعريف الأعداد الصم, وكانت لديه خبرة جيدة بالدالة رباعية الأضلاع, ويرى كثير من علماء الغرب انه من المؤسف أنهم لم يكتشفوا هذه الرسالة, إلا سنة 1450 ميلادية, ولقد كانت عبقرية  نصير الدين الطوسي في الهندسة توازي عبقريته في الفلك فقد جمع كل المؤلفات الرياضية التي كتبها الأقدمون وأبلغها ستة عشر كتابا, وهي إلى جانب أربعة كتب من العصر الإسلامي, تستوعب في الواقع كل المكتشفات والمعلومات العلمية التي توصل إليها الذهن البشري حتى تلك الفترة.

أما بالنسبة للفلك فلقد بذل الطوسي جهدا كبيرا يحمد عليه في دراس مخطوطات اخوانه المسلمين الذين سبقوه خاصة تلك التي تدرس الأجرام السماوية  وحركاتها والمسافات بينها وبين الأرض, ولقد قدم كتابا باسم: المجسطي, يدلع على عبقريته وطول باعه في الفلك, ولقد كان الطوسي في دراسته للمجموعة الشمسية يعتقد أن الشمس هي المركز, وأن المجموعة الشمسية تدور حولها, وله بحوث فريدة في القبة السماوية, وفي الحياة البشرية امتد الخيال والبحث العلمي لدى هذا الرجل العلامة فقال: إن موضع التفكير العقلي في جسم الإنسان هو داخل المخ, وأن فيه نقطة هي نقطة الحياة أو الروح وهي وضع الله تعالى. ولا بأس هنا أن نقول: إن العلماء والأطباء في العصر الحاضر يرون أن نقطة الحياة هي في الصلة السيسائية وهي من أجزاء المخ.

والجدير بالذكر أن نصير الدين الطوسي كان أول من عقد مؤتمرا علميا اجتمع فيه كثير من علماء الشرق والغرب وذلك في مرصده بمراغة, بقصد المشاركة في الأرصاد الفلكية التي كان يقوم بها هناك, ويدل انتاج الطوسي في الرياضيات والفلك دلالة واضحة على خصب قريحته وقوة تفكيره وصبره ومثابرته على البحث سعيا وراء الحقيقة.

ألف نصير الدين الطوسي أكثر من 145 مؤلفا في مجالات مختلفة منها: حساب المثلثات والهندسة والجبر والمقابلة والهيئة والجغرافيا ,والطبيعيات والمنطق والتنجيم.